يتمتع الكاتب الروسي فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي ( 1821 - 1881) بشهرة عالمية واسعة. وقد ترجمت اعماله الى العديد من اللغات واصبحت افكارها وشخصياتها جزءا من تراث البشرية الروحي. ان اثمن ما في توراثه هو رواياته. وقد اشتهرت في العالم بصفة خاصة روايتا "الجريمة والعقاب" و"الاخوة كارامازوف" اللتان عبرتا باكمل صورة عن فلسفة الكاتب. بيد ان مشهد من فيلم الابلهرواياته الاخرى "مذلون ومهانون" و"الابله" و"الشياطين" و"المراهق" على جانب كبير من الاهمية والطرافة.
كان دوستويفسكي انسانا ابيا وعنيدا في الدفاع عن معتقداته، وقد ترك ذلك كل بصماته على اعماله.
ولد فيدور دوستويفسكي في 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1821 بموسكو في اسرة طبيب عسكري ينحدر من فئة رجال الدين منح لقاء استقامته في الخدمة لقب نبيل. وكانت امه تنتمي الى فئة التجار. وكان ابوه رجلا صعب الطباع وعلاوة على ذلك كان مريضا بالصرع الذي انتقل بالوراثة الى ابنه. اما امه فربت فيه المشاعر الدينية العميقة. ومنذ صباه ولع دوستويفسكي بميول التمرد وانبهر بالطموحات المثالية للكاتب الالماني شيلر، واحب روايات ديكنز الذي كان يجيد اثارة العطف على الناس المهانين. وكانت قريبة الى نفسه تعرية التناقضات الاجتماعية في أعمال بلزاك الذي ترجم له فيودور دوستويفسكي رواية "اوجين غراندي" قبل عامين من اصداره لاول عمل ادبي هو رواية "المساكين" عام 1846 التي نشرت في مجلة "سوفريمينيك "(المعاصر) واقبل عليه القراء بتهافت قوي.
كان فيودور دوستويفسكي يعيش آنذاك في بطرسبورغ حيث تخرج من كلية الهندسة، لكنه لم يلتحق بالوظيفة، اذ لمس في نفسه انه اديب بالفطرة. وتعرف فيدور دوستويفسكي عن قرب بالناقد الروسي البارز فيساريون بيلينسكي الذي كان يتزعم كوكبةالجريمة والعقاب من الادباء الشبان من انصار ما يسمى بـ "المدرسة الطبيعية" وهي التسمية التي اصطلح آنذاك على اطلاقها على ادباء الاتجاه الواقعي. ثم توالت بعد رواية "المساكين" اعمال الكاتب الاخرى "المثل"( او الشبه) و" ربة المنزل"و"الليالي البيضاء" التي كشفت عن جوانب جديدة من موهبته لكنها لم تجلب له اهتمام الناس.
ثم تعرف دوستويفسكي بالمثقف الروسي ميخائيل بيتراشيفسكي الذي تجمع حوله اولئك الذين اسرتهم أفكار الفيلوسوف الفرنسي شارل فورييه الاشتراكية ودعواته الى تغيير المجتمع. وانضم فيودور دوستويفسكي الى حلقة "زملاء بيتراشيفسكي" الذين اسسوا جماعة شبه سرية. وتمكنت الشرطة من تتبع الجماعة حتى القت القبض على اعضائها في ربيع عام 1849 . وحكم على دوستويفسكي بالاعدام، لكنه في آخر لحظة وقبل تنفيذ حكم الاعدام بحقه صدر مرسوم قيصري يقضى باستبدال الاعدام باربعة اعوام من الاعمال الشاقة في مقاطعة اومسك بسيبيريا.
وعايش دوستويفسكي عمليا وهو واقف على منصة الاعدام ويتدلى فوق رأسه حبل المشنقة ، عايش طقوس تنفيذ حكم الاعدام التي ضلت تلازمه طوال حياته ، وقد وصف هذا المشهد الرهيب في روايته "الابله" .
وقد وصف حياته وهو يقضي حكم الاعمال الشاقة في كتابه "ذكريات من منزل الاموات". وعلاوة على ذلك التحق بالخدمة العسكرية جنديا في سيبيريا. ولم يتمكن الكاتب من العودة الى الحياة الطبيعية وممارسة نشاطه الادبي بحرية الا بعد وفاة القيصر نيكولاي الاول.
احيل دوستويفسكي عام 1859 الى معاشالتقاعد لسوء صحته بعد ان ترقى الى رتبة ملازم اول في الجيش القيصري. ونال ترخيصا بان يعيش في مدينة تفير في شمال غرب روسيا، وظل تحت رقابة الشرطة حتى عام 1870.
وساعد دوستويفسكي شقيقه ميخائيل في اصدار مجلة اطلق عليها "الزمان" . وبعد اغلاق تلك المجلة اعيد اصدارها تحت عنوان " العصر" ونشر دوستويفسكي بهاتين المجلتين مؤلفاته ""ذكريات من منزل الاموات" و" مذلون ومهانون" و"رسائل من القبو السري ".
قام دوستويفسكي في مطلع ستينات القرن التاسع عشر بزيارة البلدان الغربية حيث اولع هناك بلعب القمار ،الامر الذي جعله يواجه دوماً حاجة ماسة الى الاموال واضطره الى عقد صفقات غير عادلة مع اصحاب النشر والطباعة لاصدار رواياته . وكاد يفقد حقوق المؤلف . وانقطع صدور مجلة "العصر" بعد وفاة اخيه ميخائيل عام 1865 . ومن اجل الاسراع في كتابة روايته الشهيرة "الجريمة والعقاب" عقد دوستويفسكي اتفاقاً مع كاتبة اختزال شابة اسمها آنا سنيتكينا التي تزوجها فيما بعد. وقامت سنيتكينا بتسيير الامور المالية لزوجها ودافعت عن حقوقه لدى نشر روايته الجديدة مما ساعده في الحصول على مبلغ لا بأس به مقابل عمله الادبي. وتعهد دوستويفسكي مقابل ذلك لزوجته بان الاخوة كارامازوفيتخلى عن القمار نهائيا. لكن هذا الموضوع ظهر مجددا على صفحات روايته الجديدة "المقامر" التي صدرت عام 1866.
عاش دوستويفسكي الاعوام الثمانية الاخيرة من حياته في مدينة ستارايا روزا بمحافظة نوفغورود بشمال غرب روسيا. وتعد هذه المرحلة مثمرة في نتاجه الادبي حين ابدع روايات "الشياطين" عام 1872 و "المراهق" عام 1875 و" الاخوة كارامازوف" عام 1880. وذاع صيته في روسيا كلها وخاصة بعد القائه كلمة مشهورة في مراسم افتتاح تمثال الشاعر الروسي العظيم الكسندر بوشكين في موسكو. لكن المجد الحقيقي واكليل الغار نزلا على دوستويفسكي بعد وفاته. واعترف الفيلوسوف الالماني المعروف فريدريك نيتشه ان دوستويفسكي كان بالنسبة له سيكولوجيا وحيدا جديرا بالتعلم منه .
يتصارع في عالم دوستويفسكي الفني الرحمن مع الشيطان والخير مع الشر والحقيقة مع الزيف. ومضمار هذا الصراع هو قلب الانسان على حد تعبيراحدى شخصيات روايتة "الاخوة كارامازوف".
من أقوال دوستويفسكي :
إذا لم يكن الله موجودا , فسيصبح كل شئ مباحا
ان الانسان لغز . و يجب ادراك خباياه ,
فإذا قضيت حياتك كلها في إستكشاف من هذا القبيل ,
لا تقل أنك ضيعت و قتك :
إنني أعكف على تفحص هذا اللغز ,
لأنِّي أريد أن أكون انسانا .
- الفقراء/ المثل - جزء 1
- نيتوتشكانز فانوفنا وقصص اخرى - جزء 2
- قرية ستيبانتشيكوفو وسكانها - جزء 3
- مذلون مهانون - جزء 4
- ذكريات من منزل الأموات - جزء 5
- في قبوي وقصص اخرى - جزء 6
- المقامر - جزء 7
- الجريمة والعقاب - جزء 8
- الجريمة والعقاب - جزء 9
- الابله - جزء 10
- الابله - جزء 11
- الشياطين - جزء 12
- الشياطين - جزء 13
- المراهق - جزء 14
- المراهق - جزء 15
الاخوة كارامازوف - جزء 16
الاخوة كارامازوف - جزء 17
الاخوة كارامازوف - جزء 18
- قرية ستيبانتشيكوفو وسكانها - جزء 3
- مذلون مهانون - جزء 4
- ذكريات من منزل الأموات - جزء 5
- في قبوي وقصص اخرى - جزء 6
- المقامر - جزء 7
- الجريمة والعقاب - جزء 8
- الجريمة والعقاب - جزء 9
- الابله - جزء 10
- الابله - جزء 11
- الشياطين - جزء 12
- الشياطين - جزء 13
- المراهق - جزء 14
- المراهق - جزء 15
الاخوة كارامازوف - جزء 16
الاخوة كارامازوف - جزء 17
الاخوة كارامازوف - جزء 18
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق