عن الكاتب
ولد جاك لندن عام 1876 في أمريكا، ومات هناك عام 1916. كان والده كاهنا يمتهن التنجيم وقراءة الغيب والممحيّ، ولهذا يُعَرَّف جاك لندن في الأدبيات الاشتراكية والماركسية بأنه يتحدر من الشريحة البرجوازية الصغيرة، يعمل في خدمة الكادحين. وتجرع جاك لندن مرارة الحياة، وامتهن أعمالا مختلفة، من صحافة، وعامل في المعامل، وقطع الطريق، والشرطة البحرية، وقبطان سفينة، وطالبا، ومراسلا صحفيا، وعامل منجم وسواها.
انضم جاك لندن عام 1879 وله من العمر 3 عاما إلى جماعة " الإشتراكيين- العموميين" الذين شكلوا حلقات دراسية لدراسة بيان الحزب الشيوعي، وكتابات ماركس وكانط ونيتشه وسبنسر. كما أنتدبته أحزاب ومنظمات اشتراكية لتمثيلها في أعمال المجالس البلدية، وشارك في اجتماعات الإشتراكيين في أمريكا بخطاباته الثورية. وقد مات بسبب الإجهاد الشديد والمرض والإدمان على الكحول والانهيار الروحي، وقد بلغ 40 عاما، ويقال إنه قد انتحر.
يركز جاك لندن في كتاباته على أن الصراع الطيقي بين العمال والرأسماليين أمر لا بد منه، وهو يروج طوال عمره للأفكار الإشتراكية، والثورة العمالية القادمة. وكان ينتقد باستمرار النظام الرأسمالي، ويفضح القوانين اللاإنسانية الجائرة ،و يفضح الخصال السبعية للرأسمالية وجشعها اللامحدود. وكان يدعو إلى تجديد روح الإشتراكية دوما، وإلى حماية البيئة وجمال الطبيعة الواهبة لسعادة الحياة وبهجتها. لقد تنوعت الثيمات في كتاباته التي اشتركت كلها في مقاربة مسألتي علاقة الإنسان بالطبيعة، وعلاقة الفرد بالمجتمع. وقد كتب قصص مغامرات أبطالها حيوانات، مثل رواية «أبيض الناب».
يحسب جاك لندن رواية "أهالي قعر المجتمع" من أفضل كتاباته، وهي قصة مكتوبة وفق المدرسة الطبيعية عام 1903، وتدور أحداثها في أحياء فقراء أحياء الصفيح في لندن.
أما رواية " القدم الحديدية" والتي جعلت من الكاتب من أكثر الكتّاب شعبية عند العمال والكادحين والمثقفين ذوي الإتجاهات الإشتراكية، فهي تصوير لمستقبل البشرية، ورواية هادفة، تمثل أحداثها ثورة المضطهدين، ونضال العمال الدامي في أمريكا، وتنبئ باقتراب ظهور الفاشستية في أوروبا. هذه الرواية الفذة تعتبر اليوم إنجيل الإشتراكية والإشتراكيين، لقد وضعها جاك لندن عام 1906 فصور فيها حتمية انتصار الإشتراكية وحتمية انهيار الرأسمالية، والصراع الرهيب الذي لا بد أن يدور بين معسكري التقدمية والرجعية، والأساليب الجهنمية التي تلجأ إليها الرأسمالية في صراعها من أجل البقاء.
والأطرف في هذه " الرواية- المعجزة" أن جاك لندن وضعها على لسان زوجة البطل، وتخيل أنه عثر عليها من طرق المصادفة بوصفها مخطوطة كتبت في عهود الظلام، ومن أجل ذلك راح يضع لها الحواشي والشروح، مفترضا أنه يكتب تلك الحواشي والشروح بعد سبعة قرون انقضت على بزوغ فجر الإشتراكية ليصف بعض ظواهر الحياة الغربية في العهد القديم.
و اليو م من أجل انشاء مجتمع اشتراكي جديد أحوج ما نكون إلى الإطلاع على هذه الرواية الفريدة لنزداد إيمانا بالمبادئ الإشتراكية ولنزداد يقظة واحتراسا من مؤامرات "القدم الحديدية"، وجرائمها بحق الإنسانية. و" القدم الحديدية" اسم أطلقه جاك لندن على الراسمالية الإحتكارية التي تتطلع إلى سحق الطبقات الكادحة بالنار والحديد.
يرى تروتسكي أن " القدم الحديدية" أفضل وثيقة توضح عملية تشكّل الفاشية، ويعتبرها اطارا تحليليا للمظالم التي تتعرض لها البشرية على يد الراسمالية، وأن بطل الرواية يمثل مصير البشرية كلها وهي تعاني في عصر عبادة الربح وفظاعة الاستغلال. و ثمة نقاد لا يستبعدون أن يكون الروائي جورج أورويل قد كتب روايته " 1984" تحت تأثير "القدم الحديدية".
أمّا رواية "مارتين ايدن" فهي كتاب تعليمي يتضمن أفكار جاك لندن ومواقفه الفكرية والسياسية وتحولاتها.
وفي رواية " ذئب البحر" المصورة سينمائيا نتطلع على القبطان لارس الذي يذكّنا خلال صراعاته القاسية مع الطبيعة والمجتمع بإنسان نيتشة المتفوق. وإن من دواعي محبوبية جاك لندن وشهرته التي أطبقت الأفاق هو أنه بين أعوام 1913, 1958 تم تصوير حوالي 42 عملا من أعماله الروائية والقصصية أفلاما، شاهدها الناس في أرجاء العالم.
بالإضافة إلى لينين، أبدى قادة ومفكرون شيوعيون آخرون اعجابهم بجاك لندن، مثل تروتسكي وبوخارين وراداك، وأكدوا جميعهم على بعد نظر الكاتب، وتوسع آفاقه الفكرية والسياسية في رواية «العقب الحديدية».
لم يقتصر إبداع جاك لندن على كونه كاتبا اشتراكيا يدافع عن العدالة والحق ن ويناضل في سبيل مستقبل استراكي للبشرية، بل كان مبدعاً كبيرا في قصص المغامرات والطبيعة والحيوانات أيضا. وقد تركت كتاباته وأفكاره الثورية ومواهبه الإبداعية العظيمة تأثيرا عظيما على الأدب والثورة الأممية العمالية رغم التناقضات التي انتابته وأفكاره.
اعتبرته البرجوازية الحاكمة في زمانه ولسنوات عديدة مخربا ومعاديا للديمقراطية الأمريكية، ومنعت كتبه من التداول، وطردت من المكتبات العامة. وقال عنه روزفلت الرئيس الأمريكي إن جاك لندن ليس فقط يجهل معلومات عن الذئاب، بل أنه غافل حتى عن كلاب أمريكا، ورغم كل ذلك طبعت عام 1975 في أمريكا 17 شكلا من رواية " نداء البرية"، وكانت أكبر بيستسيلر، وأعدت للأطفال والناشئين في أشكال عديدة. وكم حاولت النخبة البرجوازية المثقفة في أمريكا تصوير جاك لندن كاتب للنشئ فقط، ينشر تعاليم داروينية، وفكرة حرب الجميع ضد الجميع غي تنازع البقاء، وأن القراء الشبان يتحولون إلى ذئاب تحت تأثير مطالعة كتبه، فلم تفلح فعادت رواياته السياسية إلى واجهة هذه الأيام أيضا.
يستغل النقاد البرجوازيون العناصر الداروينية والنيتشوية، لتشويه جاك لندن وتغليب تلك العناصر على أفكاره الإشتراكية. فقد كانت حقا، آثارجاك لندن مثلها مثل حياته ملؤها التناقصات، فهي تحتوى على الداروينية، والإنسانية المسيحية، والعدمية الطبيعية، والجبرية الاجتماعية والبطولية الفردية الاشتراكية. ولكنه كان مثال الطليعي المناضل في سبيل الاشتراكية، وتحقيق العدالة والمساواة في نظر الإشتراكيين. وكان يرى فيه النقاد الأدبين أستاذ كتابة القصة القصيرة. ويقول فرانس يونج إن تراجيديا جاك لندن مثل جميع كتّاب أمريكا تكمن في أنه لا يستطيع أن يحسم الاتجاه الفكري والسياسي الذي ينبغي أن يخطه لمسر حياته، فهو حائر بين الكتابة للسوق والناشر أم يكتب لتحرير البشرية. وفي رأي ايتون سينكلر، أن جاك لندن كان نصير الكادحين، وأن دموعه التي ذرفها على فقراء شرق لندن تشبه الدموع التي سكبها المسيح حين بكى على سكان القدس. ورغم كل الآراء التي تناقضت عن جاك لندن، ورغم بعض كتاباته هابطة المستوى الفني، فإن الجميع بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية متفقون على أنه كاتب عظيم ومبدع كبير، وظاهرة أدبية عظيمة ظهرت في أمريكا في القرن الماضي.
المصدر ويكيبيديا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق